فصل: القاعدة السادسة: يلزم في إثبات الصّفات التخلي عن محذورين عظيمين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


القاعدة الخامسة‏:‏ الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين‏:‏ ذاتية وفعلية

فالذاتية‏:‏ هي التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها، كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، ومنها الصفات الخبرية، كالوجه، واليدين، والعينين‏.‏

والفعلية‏:‏ هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا‏.‏

وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين، كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية، لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلمًا، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية، لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 82‏]‏ ‏.‏ وكل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته‏.‏ وقد تكون الحكمة معلومة لنا وقد نعجز عن إدراكها لكننا نعلم علم اليقين أنه سبحانهلا يشاء شيئًا إلا وهو موافق للحكمة، كما يشير إليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 30‏]‏ ‏.‏

القاعدة السادسة‏:‏ يلزم في إثبات الصّفات التخلي عن محذورين عظيمين

‏:‏ أحدهما‏:‏ التمثيل‏.‏ والثاني‏:‏ التكييف‏.‏

فأما التمثيل‏:‏ فهو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين، وهذا اعتقاد باطل، بدليل السمع، والعقل‏.‏

أما السمع‏:‏ فمنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏ ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 17‏]‏ ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 65‏]‏ ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولم يكن له كُفُوًا أحد‏}‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏ 4‏]‏ ‏.‏

وأما العقل فمن وجوه‏:‏

الأول‏:‏ أنه قد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تباينًا في الذات، وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات لأن صفة كل موصوف تليق به، كما هو ظاهر في صفات المخلوقات المتباينة في الذوات، فقوة البعير مثلًا غير قوة الذرة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكها في الإِمكان والحدوث، فظهور التباين بينها وبين الخالق أجلى وأقوى‏.‏

الثاني‏:‏ أن يُقال ‏:‏ كيف يكون الربّ الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهًا في صفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى من يكمله، وهل اعتقاد ذلك إلا تنقص لحق الخالق‏؟‏‏!‏ فإن تشبيه الكامل بالناقص بجعله ناقصًا‏.‏

الثالث‏:‏ أننا نشاهد في المخلوقات ما يتّفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية، فنشاهد أن للإنسان يدًا ليست كيد الفيل، وله قوة ليست كقوة الجمل، مع الاتفاق في الاسم، فهذه يد وهذه يد وهذه قوة وهذه قوة، وبينهما تباين في الكيفية والوصف، فعلم بذلك أن الاتفاق في الاسم لا يلزم منه الاتفاق في الحقيقة‏.‏

والتشبيه كالتمثيل، وقد يُفرّق بينهما بأن التمثيل التسوية في كل الصّفات، والتشبيه التسوية في أكثر الصّفات، لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏11‏]‏ ‏.‏

وأما التكييف‏:‏ فهو أن يعتقد المثبت أن كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا، من غير أن يقيّدها بمماثل‏.‏ وهذا اعتقاد باطل، بدليل السمع، والعقل‏.‏

أما السمع‏:‏ فمنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 110‏]‏ ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 36‏]‏ ‏.‏ ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا لأنه تعالى أخبرنا عنها ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون تكييفنا قفوًا لما ليس لنا به علم، وقولًا بما لا يمكننا الإحاطة به‏.‏

وأما العقل‏:‏ فلأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته أو العلم بنظيره المساوي له، أو بالخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله - عز وجل - فوجب بطلان تكييفها‏.‏

وأيضًا فإننا نقول‏:‏ أي كيفية تقدّرها لصفات الله تعالى‏؟‏

إن أي كيفية تقدرها في ذهنك، فالله أعظم وأجل من ذلك‏.‏

وأي كيفية تقدّرها لصفات الله تعالى فإنك ستكون كاذبًا فيها، لأنه لا علم لك بذلك‏.‏ وحينئذ يجب الكف عن التكييف تقديرًا بالجنان، أو تقريرًا باللسان، أو تحريرًا بالبنان‏.‏

ولهذا لما سئل مالك ـ رحمه الله تعالى ـ عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 5‏]‏ كيف استوى‏؟‏ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحضاء ‏(‏العرق‏)‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة‏"‏ وروي عن شيخه ربيعة أيضًا‏:‏ ‏"‏الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ‏"‏‏.‏ وقد مشى أهل العلم بعدهما على هذا الميزان‏.‏ وإذا كان الكيف غير معقول ولم يرد به الشرع فقد انتفى عنه الدليلان العقلي والشرعي فوجب الكف عنه‏.‏

فالحذر الحذر من التكييف أو محاولته، فإنك إن فعلت وقعت في مفاوز لا تستطيع الخلاص منها، وإن ألقاه الشيطان في قلبك فاعلم أنه من نزغاته، فالجأ إلى ربك فإنه معاذك، وافعل ما أمرك به فإنه طبيبك قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 36‏]‏ ‏.‏

القاعدة السابعة‏:‏ صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها

فلا نثبت لله تعالى من الصّفات إلا ما دلّ الكتاب والسنة على ثبوته، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى‏:‏ ‏"‏لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث‏"‏ ‏(1)

ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه‏:‏

الأول‏:‏ التصريح بالصّفة كالعزة، والقوة، والرحمة، والبطش، والوجه، واليدين ونحوها‏.‏

الثاني‏:‏ تضمن الاسم لها مثل‏:‏ الغفور متضمن للمغفرة، والسميع متضمن للسمع ونحو ذلك (2)

الثالث‏:‏ التصريح بفعل أو وصف دال عليها كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين العباد يوم القيامة، والانتقام من المجرمين الدال عليها ـ على الترتيب ـ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 5‏]‏ وقول النبي، صلى الله عليه وسلم،‏:‏ ‏(‏ينزل ربنا إلى السماء الدنيا‏)‏‏.‏ الحديث‏.‏ وقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏ 22‏]‏ ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 22‏]‏ ‏.‏